بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
تضم الاحلام - من وجهة النظر النفسية - احلام النوم وهي المشاهد والمواقف التي نراها ونعايشها اثناء النوم ، كما تضم احلام الحياة التي تعبر عن تطلعاتنا وامنياتنا التي نسعي الي تحقيقها في المستقبل .. وتعتبر الاحلام من الظواهر الصحية الهامة لاحتفاظ عقلنا بلياقته أثناء النوم حتى لا يتكاسل حين نعود الى اليقظة .. ونحن في ممارستنا للطب النفسى نلاحظ أهمية الأحلام من خلال ارتباطها بالحياة النفسية للمرضى والأصحاء على حد سواء .. ومن خلال ما تعنيه بالنسبة للصحة النفسية حتى لو كانت مجرد أحــــــلام غامضـــة .. وبالنسبة لنـا - كأطباء نفسيين- فإن الحلم سواء كان من احلام النوم او من احلام اليقظة او من احلام الحياة يمثــــــــل " الباب الملكى " لقراءة وفهم كثير مما يدور داخل العقل الباطن .. وفى هذا الموضوع محاولة لإلقاء الضوء على بعض الجوانب النفسية للأحلام ..
بين احلام الحياة واحلام النوم :
يقول " انتوني روبنز " في كتابه " الخطوات العملاقة " GIANT STEPS الذى يضم 365 فكرة بسيطة في صورة دروس يومية يمكن ان يتجمع تأثيرها معا ليؤدى في النهاية الي تغيير هائل في شخصية الانسان وفي حياته علي مدى العام وتتضمن هذه الافكار اعمال يومية صغيرة يمكن ان يقوم بها اى واحد منا فتكون نتيجتها تحقيق احلامه مهما كانت كبيرة ويـــرى " انتوني روبنز " ان اى حدث هام واى انجاز في حياتنا لابد ان يكون حلماً في البداية ويقــــول " روبنز " ان علي كل واحد منا ان يستغرق في الاحلام كل يوم لمدة قصيرة قد تكون لحظات معدودة وبعد ذلك يمكنه ان يتخذ قراراً بسيطاً يكون هو خطوة البداية نحو تحقيق الحلم او الهدف الكبير الذى يسعي اليه .
وكانت الموضوعات المتعلقة بظاهرة الأحلام ولا تزال محل اه
متزايد من جانب الأطباء النفسيين، واتجهت الأبحاث الى إخضاع الأحلام الى دراسات علمية ومعملية لكشف الكثير من الغموض الذى يحيط بتفسير كيفية وأسباب حدوث الأحلام أثناء النوم ، وفى بعض هذه التجارب تم متابعة أشخاص من المرضى والأصحاء أثناء النوم مع توصيل أقطاب ترصد نشاط العقل والجهاز العصبى خلال مراحل النوم على مدى ليلة كاملة أو أكثر ، وقد تبين أن الأحلام تحدث خلال مراحل معينة مع حركة العين السريعة Rapid eye movement ومدتها 10 دقائق تقريباً تتكرر مرة كل 90 دقيقة، ولعل ذلك هو السبب أننا نحلم بأشياء متعددة أثناء النوم ليلاً غير أننا لا نتذكر سوى آخر هذه الأحلام قبل أن نستيقظ في الصباح..
كيف تحدث الاحلام ؟
يتم الحلم عادة على أحد مستويين.. الأول هو استدعاء بعض الأحداث التى مرت بنا خلال اليوم، أو الأشياء التى تشغل بالنا قبل النوم مباشرة.. أما المستوى الثانى فإنه أعمق ويتضمن الأفكار والرغبات والصراعات الكامنة في العقل الباطن من قبل.. والأشياء التى تظهر في أحلامنا عادة هى تعبير عن رغبات مكبوتة لا نتسيطع إظهارها للأخرين في الواقع، أو بعض التطلعات والأمنيات التى ليس بمقدورنا الوصول اليها عملياً ، وتكون الفرصة متاحة أثناء النوم للتنفيس عن هذه الأشياء وهى من محتويات العقل الباطن بما يحقق لنا الإشباع الذى نعجز عنه في الواقع أثناء اليقظة ، وهذا ينطبق علي احلام النوم اما احلام الحياة بمفهومها الذى يعني التطلعات والامنيات التي نسعي الي تحقيقها في المستقبل فإنها تتم علي مستوى التفكير والوعي بمشاركة العاطفة والوجدان .
وليست الأحلام ظاهرة مرضية على الأطلاق .. بل على العكس من ذلك فإنها - من وجهة النظر النفسية - تعبير عن حالة الصحة النفسية المتوازنة.. لكننا بحكم ممارسة الطب النفسى نلاحظ أهمية الأحلام في شكوى المرضى المصابين بالأضطرابات النفسية المختلفة مثل القلق والأكتئاب والفصام ، فالكوابيس nightmares هى إحدى الشكاوى الرئيسية لمرضى القلق حيث تحول نومهم الى معاناة أليمة لأنها دائماً تدور حول أحداث مخيفة تسبب الأزعاج ، وفى مرضى الأكتئاب أيضاً تحدث الكوابيس بصفة متكررة أثناء النوم ويكون محتواها في كل الأحوال أحداث تبعث على الأكتئاب فيصحو المريض من نومه ويسقبل يومه وهو في أسوأ حالاته النفسية ، أما مرضى الفصام فتظهر في أحلامهم الأشباح والأصوات المخيفة التى تطاردهم أيضاً في حالة اليقظة.
الأحلام .. والمستقبل :
لا يستطيع أحد أن يعلم الغيب وأحداث المستقبل إلا الله سبحانه وتعالى .. لكن السؤال الذى يظل مطروحاً هو : ما العلاقة بين الحلم وبين الأحداث التى تقع في المستقبل !؟ .. وربما كان مبعث هذا السؤال أن هناك الألاف من الأحلام كانت تدور حول أحداث وقعت لبعض الناس في المستقبل.. وأذكر أكثر من حالة من المرضى الذين تابعت حالتهم في العيادة النفسية يؤكدون أن الأحلام التى يرونها في نومهم تتحقق في الواقع فيما بعد في أكثر من مناسبة .. والتفسير العلمى للأحلام التى تحمل بعض النبوءات لايزال محل جدل، غير أن الحقيقة العلمية تؤكد أن هناك علاقة بين العقل الإنسانى والبيئة المحيطة، وتفاعل مع الآخرين في شعور عام يطلق عليه العقل الجمعى يتأثر بالأحداث العامة مثل حالة الحرب أو الرخاء وقد يستشعر حدوث بعض الأشياء نتيجة لاستمرار الأنسان وتوارث خبراته وعلاقته بالزمان والمكان..
ويطلب منا الكثير من المرضى والاصحاء تفسيرا للآحلام التى تحدث لهم أثناء النوم ، ويريد البعض أن يعرف مغزى الاحداث والاشخاص والرموز التى يراها في احلامه ، وأن يعلم شيئا عن علاقتها بحالته النفسية أو بحياته بصفه عامة ، والواقع أن التفسير العلمى للأحلام يجب أن يأخذ في الاعتبار ان الحلم يتضمن تكثيفا في ظاهرة الزمان والمكان .. بمعنى اننا اثناء النوم يمكن أن نحلم في دقائق معدوده باحداث امتدت على مدى سنين طويلة وحدثت في أماكن مختلفة ومتباعدة.
تفسير الاحلام
غالبا ما تكون الأنفعالات النفسية مثل القلق والخوف والأكتئاب والغضب وراء محتوى الحلم من أحداث وشخصيات وأماكن كلها تعنى شيئاً محدداً بالنسبة لصاحب الحلم ، وتتميز الأحلام أيضاً بمسألة الرموز .. ففى حلم فرعون كانت البقرات السمان رمزاً لسنوات الرخاء ، والبقرات العجاف رمزاً لسنوات القحط .. وفى حلم يوسف عليه السلام كانت الكواكب كالشمس والقمر نموذج للأخوة والأبوين .. وقد حاول فرويد في كتابه " تفسير الأحلام " التوسع في تفسير الرموز التى تشير الى رؤية الأشياء المستديرة ، والمستطيلة في الأحلام بإشارات جنسية .. كما شهد بحال تفسير الأحلام الكثير من الإجتهادات لتحديد مخزى القطط والكلاب البيضاء والسوداء والثعابين وأنواع الطعام وغير ذلك .. ولا شك أن هناك من أساء استخدام العلم في تفسير الأحلام رغم كثرة المحاولات العلمية لجمع أعداد كبيرة من الحالات للوصول الى قاعدة عامة تنطبق عليها .
ثمة كلمة أخيرة .. يجب عليك - عزيزى القارىء - أن الأحلام ظاهرة صحية تفيد في الأحتفاظ في التوازن العقلى وللصحة النفسية .. وهذا الكلام ينطبق علي احلام النوم المعروفة لنا جميعا وكذلك علي الحلم بمفهومه الواسع كتطلع مشروع الي تحقيق انجاز شخصي او جماعي في المستقبل .. وعليك ألا تجتهد في البحث عن تفسير لأحلامك الغامضة .. فإذا حلمت بأنك تقتل زوجتك مثلاً فلا تفعل ذلك لأن حلمك قد يكون إنعكاساً لمتاعبك معها قبل أن تنام !!.. وأخر ما يقوله لك طبيبك النفسى حول الأحلام وإنك يجب أن تتفاءل بالأحلام السعيدة .. ولا تهتم بالأحلام المزعجة.. وعليك عزيزى القارئ الا تتوقف عن الاحلام مهما بدت في وقت ما مستحيلة وغير قابلة للتحقيق ، فعلينا ان نحلم وان نسعي الي تحقيق ما نحلم به ، وهذا ما يؤكده عالم النفس " انتوني روبنز " في كتابة " الخطوات العملاقة " مع تمنياتى للجميع بالأحلام الهادئة اثناء النوم وتحقيق احلام الحياة لكل منا .. وتمنياتي بالصحة النفسية الدائمة.