الجنسية : المدينة : damiettaالجنس : عدد المساهمات : 857MY SMS :
موضوع: القدر العجيب.. الإثنين أغسطس 31, 2009 8:12 pm
القدر العجيب..! .
كثيرا ما يتعرّض المرء إلى لسعات نفسيّةٍ موجعةٍ، وأزماتٍ قلبيّةٍ حادةٍ، تأتي على الأخضر واليابس، فتدع الحليم حيران والعاقل سهران. في صبيحة يوم عبوس قمطرير من أيام الشّتاء، بينما الجو مكفهرّ؛ الرعد ذو صخب والبرق ذو لهب والعاصفة في لُجب، وخيوط الماء تصل الأرض بالسماء، قصدت دار صديق لي، وبعد مدة من المسير إذ الأرض بعد ذلك أُلبسَت كفنا أبيض، وشابت لهولها البقاع والأصقاع التي بجانبها؛ فالأشجار هياكل عظمية أو أشباح ليلية، حثثت الخطى إلى أن وصلت داره. طرقت الباب حتى كلّت يداي فلم أسمع جوابا، وأعدت الكرّة بعد المرة، ولا شيء سوى الصمت، هممت بالانصراف، لولا أني سمعت حفيف رجلين ثقيلتين متجهتين نحو الباب... فُتِح الباب إذا بمحيا صديقي يُطلُّ عليَّ ويُنبئني حاله بكارثة ما حلت به، الوجه كالح، والعينان حمراوان، و فرائصه ترتعد من بركان يستعر في جسمه، سلَّمت عليه بحرارة ، غير آبه بما ألاحظ عليه ... فاستقبلني ببرودة ثلجية لم أعهدها توجّست منه خيفة ثمّ رحّب بي ترحيب المضيِّف على الضّيف الثقيل، مشينا الهوينا في البهو وأجلسني في قاعة رحبة، بها أكواب موضوعة ، ونمارق مصفوفة وزرابيّ مبثوثة، وأنوار خافتة لطيفة، فأثر النّعمة واضح عليه، وضوح الغزالة في قارعة النهار، هناك تذكرت قول الشاعر رمضان حمود : فماذا يفيد القصر والقلب حائر وماذا يضرّ السّجن من كان ذا قدر جلس الصديق بجانبي مشدوها، و فكره تائه حائر - فالجسم موجود والعقل مفقود- وابتدرته بالكلام قائلا: كيف حالك يا صديقي؟ أرعبَته كلماتي، فاستفاق من غفوته لا بل من غيبوبته، وتمتم ببضع كلمات لم أفهم مغزاها وبرموز لم أع طلاسمها فتعوذت بالله من الشيطان الرجيم، خشية أن قد أصابه مسّ من الجنون، أو ذاق بعض ذويه ريب المنون، سكتت هنيهة، ولم تقو رجلاي على الوقوف، و بدون شعور وجدت نفسي مولّيا وجهي شطر الباب استعدادا للخروج ... جذبني إليه جذبة كدت أسقط من إثرها على الأرض، و إذا صوته رعد يزمجر في ثنايا القاعة، لم أفهم منه شيئا... شدّتني قشعريرة، وقرأت المعوذتين ثمّ تشجّعت على الكلام ربّتا على كتفه ومشجّعا نفسي وإياه قائلا: هات ما في جعبتك يا أخي العزيز؟، بلع الصديق ريقه مرّات ومرّات، وتسلقت عيناه طبقات دهشتي وقرأت فيهما كل تعابير الأسى والضنى، وأفكار الحسرة والألم، فانطلق و في الكلام قائلا: اسمع إليّ جيّدا يا أحمد سأروي لك فاجعة من فواجع هذا الزمان وحقيقة أقرب إلى الخيال... أدهشتني هذه المقدّمة فأنصتّ إليه دون حراك، وكأنّ الطير واقف على رأسي وهو يروي قصّته : قبل خمسة أعوام قدم إليّ صديق من أعزّ الأصدقاء وأوفى الأوفياء وكنت وإياه روحا واحدة في جسدين، كنا ندرس معا، ونلعب معا ، ونتنزّه معا ونغضب معا، لا يعكّر صفوفنا شيء أبدا و، كما أنّنا لا نفترق إلاّ عند النّوم، قاطعت كلامه: أليس هذا إبراهيم؟ قال: أي والله إنه إبراهيم الذي تعرفه . قدم إليّ قبل خمس سنين في حالة يرثى لها، ولن أستطيع وصفها لك مهما بيّنت وأوضحت، طلب مني أن أستأجر له داري الثانية التي ورِثـتُها عن أبي، وذلك لضيق مسكن والده وكثرة عياله، وعيال إخوته فبكى واستبكى فقلت له إذ ذاك: مرحبا مرحبا، وعلى الفور سلّمت له المفاتيح وقلت له هي لك سلف إحسان بدون استئجار، واتّفقنا على أن يردّها إليّ بعد عامين على الأكثر. مرّ عليّ العام والعامان فلم يتحدث معي بشأن تلك الدار، فقلت في نفسي علّه في ضائقة مالية، أو ظروف قاسية استثنائية، سأصبر بضعة أشهر أخرى رحمةً به و بعياله. مرّت عليّ نصف السنة الثالثة ولم يطرأ أيّ جديد، فبدأت تساورني الشكوك... فقصدته وإذا حالته قد تغيّرت وساءت أخلاقه وتردّى من سيّء إلى أسوأ فكثرت عيوبه، وعاشر أراذل القوم، فادلهمّت به اللّيالي من محنة إلى أخرى، حتى تجرّع غصص جميع المعاصي والآثام واستساغ المال الحرام فـ " بَاء بِسَخْطٍ مِّنَ اللّهِ و َمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ" (آل عمران 162)، وأصرّ على البقاء في داري، جلست إليه مرارا وتكرارا ناصحا إيّاه فلم يزدد إلا غواية و ضلالا ، فلا هو يستحي من الله ولا هو يرعوي من النّاس ، و كم ذكّرته بأخلاقه العالية التي نشأ عليها، وبأيّامنا الة التي قضيناها معا في جوّ إيمانيّ عميق ... ولكن ذهبت جهودي أدراج الرّياح، فيا لَلأسف تجري الرّياح بما لا يَشتهي السَّفِن . آه يا أخي : ففي هذا اليوم بالضّبط يا أحمد قد مرّت عليّ خمس سنين ولم أتسلّم داري ، بل وبدأت أفقد أملها ، ولهذا تراني كئيبا حزينا . قلت له : يا صديقي هل يوجد بينكما عقد يضبط هذه الأمور ؟ قال : لا والله إنّها الثِّـقة بيننا . قلت : متى كان آخر عهدك به ؟ قال : قبل أسبوع فقط ! قلت : إ .... فإذا بنا نسمع دقاتٍ على الباب ... توجّه الصديق نحو الباب متثاقلا يجرّ أذيال الخيبة والندم .. فُـتح الباب، وكانت المفاجأة الكبرى والقدر العجيب، إنّه إبراهيم صديقه القديم، الذي كنّا نتحدّث عنه قبل ثوان! قال له صديقي : ماذا أتى بك يا إبـ ... قاطعه إبراهيم ودموعه تنهمر وتخنقه عن الكلام، وهو يتهاوى على قدمَي صديقي يقبّلهما قائلا: سامحني يا أخي لقد أغواني شيطاني وغرّني رفقاء السّوء، فتردّيت في المهالك والآثام، فها أنا أتوب إلى الله بين يديك، فا للهمّ اغفر زلّتي وأقِل عَثراتي، وأَحسِن عاقبتي في الأمور كلّها، فـها هو مفتاح دارك يا أخي ... لم تصدّق عيناي ماذا تريا فهاهما يعانقان بعضهما و يتصافحان كسالف عهدهما . جلسنا سويّا نحن الثلاثة جلسة إيمانية، ومرّت الأيام والشّهور ونحن على أحسن حال، وصديقنا إبراهيم يردّ المظالم الواحدة تلو الأخرى ويزداد قربا إلى الله، و بعدا عن الشيطان و
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم إذا كانت هذه زيارتك الأولى لمنتديات دق القلوب يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا ، أما إذا كنت أحد أعضاء دق القلوب الكرام فتفضل بتسجيل الدخول بالضغط هنا . لو رغبت بقراءة المواضيع و الإطلاع فقط فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه. إدارة منتدى دق القلوب تتمنى لك قضاء وقتا سعيدا ومسليا ومفيدا مع تحيات المدير العام/حسين البدوي
مركز رفع الصور
الحجم
الأقصى لرفع الملفات 25 ميغا || الحجم الأقصى لرقع الصور 600
كيلوبايت