[
رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالكِ يوم الدين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين. اللهم صلِ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
فقد لقيت المرأة المسلمة من التشريع الإسلامي عناية فائقة، كفيلة بأن تصون عفتها، وتجعلها عزيزة الجانب، سامية المكانة، وإن القيود التي فُرضت عليها في ملبسها وزينتها لم تكن إلا لسد ذريعة الفساد الذي ينتج عن التبرج بالزينة، فما صنعه الإسلام ليس تقيدًا لحرية المرأة، بل هو وقاية لها أن تسقط في دَرَكِ المهانة، وَوَحْل الابتذال، أو تكون مَسْرحًا لأعين الناظرين
وفي هذه العُجالة نذكر فضائل الحجاب للترغيب فيه، والتبشير بحسن عاقبته، وقبائح التبرج للترهيب منه، والتحذير من سوء عاقبته في الدنيا والآخرة، والله سبحانه وتعالى من وراء القصد، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
فضائل الحجاب
الحجاب طاعة لله عزَّ وجلَّ.. وطاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أوجب الله تعالى طاعته وطاعةَ رسولِه صلى الله عليه وسلم فقال: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} الآية (36) سورة الأحزاب.
وقال عز وجل: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} الآية (65) سورة النساء.
وقد أمر الله سبحانه وتعالى النساء بالحجاب، فقال عز وجل: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} الآية (31) سورة النور.
وقال سبحانه: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} الآية (33) سورة الأحزاب، وقال تبارك وتعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} الآية (53) سورة الأحزاب.
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ} الآية (59) سورة الأحزاب.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم-: (المرأة عورة) [صحيح]، يعني أنه يجب سترها.
الحجاب عفة
فقد جعل الله تعالى التزام الحجاب عنوان العفة، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ} الآية (59) سورة الأحزاب، لتسترهن بأنهن عفائف مصونات {فَلَا يُؤْذَيْنَ} الآية (59) سورة الأحزاب، فلا يتعرض لهن الفُساق بالأذى، وفي قوله سبحانه: {فَلَا يُؤْذَيْنَ} إشارة إلى أن في معرفة محاسن المرأة إيذاءً لها، ولذويها بالفتنة والشر.
ورخَّصَ تبارك وتعالى للنساء العجائز اللائي لم يبق فيهن موضع فتنة في وضع الجلابيب، وكشف الوجه والكفين، فقال عزَّ وجلَّ: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ} الآية (60) سورة النــور، أي إثم {أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} الآية (60) سورة النــور.
ثم عَقَّبه ببيان المستحب والأكمل، فقال عز وجل: {وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ} باستبقاء الجلابيب {خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} الآية (60) سورة النــور، فوصف الحجاب بأنه عفة، وخير في حق العجائز فكيف بالشابات؟
الحجاب طهارة
قال سبحانه: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} الآية (53) سورة الأحزاب، فوصف الحجاب بأنه طهارة لقلوب المؤمنين والمؤمنات، لأن العين إذا لم تَرَ لم يَشْتَهِ القلبُ، أما إذا رأت العين: فقد يشتهي القلب، وقد لا يشتهي، ومن هنا كان القلب عند عدم الرؤية أطهر، وعدم الفتنة حينئذ أظهر، لأن الحجاب يقطع أطماع مرضى القلوب {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} الآية (32) سورة الأحزاب.
الحجاب ستر
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى حيِيٌّ سِتِّيرٌ، يحب الحياء والستر).. [صحيح]، وقال صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأةٍ نزعت ثيابها في غير بيتها، خَرَقَ الله عز وجل عنها سِتْرَهُ).. [صحيح]، والجزاء من جنس العمل.
الحجاب تقوى
قال الله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ} الآية (26) سورة الأعراف.
الحجاب إيمان
والله سبحانه وتعالى لم يخاطب بالحجاب إلا المؤمنات، فقد قال سبحانه: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ} الآية (31) سورة النــور، وقال عز وجل: {وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ} الآية (59) سورة الأحزاب، ولما دخل نسوة من بني تميم على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، عليهن ثياب رِقاق، قالت: (إن كنتن مؤمنات فليس هذا بلباس المؤمنات، وإن كنتن غير مؤمناتٍ، فتمتعن به).
الحجاب حياء
وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن لكل دين خُلُقًا، وخُلُقُ الإسلام الحياء). [صحيح]
وقال صلى الله عليه وسلم: (الحياءُ من الإيمان، والإيمان في الجنة).[صحيح]
وقال صلى الله عليه وسلم: (الحياء والإيمان قُرِنا جميعاً، فإذا رُفِعَ أحدُهما، رُفِعَ الآخرُ). [صحيح]
وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: " كنت أدخل البيت الذي دُفِنَ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي رضي الله عنه واضعةً ثوبي، وأقول: (إنما هو زوجي وأبي)، فلما دُفن عمر رضي الله عنه، والله ما دخلته إلا مشدودة عليَّ ثيابي، حياءً من عمر رضي الله عنه. (صححه الحاكم على شرط الشيخين). ومن هنا فإن الحجاب يتناسب مع الحياء الذي جُبِلت عله المرأة.
الحجاب غَيْرَةٌ
يتاسب الحجاب أيضاً مع الغَيرة التي جُبل عليها الرجلُ السَّوِيُّ، الذي يأنف أن تمتد النظراتُ الخائنة إلى زوجته وبناته، وكم من حروب نشبت في الجاهلية والإسلام غيرةً على النساء، وحَمِيَّةً لحرمتهن، قال عليٌّ رضي الله عنه: (بلغني أن نسائكم يزاحمن العُلُوجَ – أي الرجال الكفار من العَجَم – في الأسواق، ألا تَغارون؟ إنه لا خير فيمن لا يَغار).
قبائح التبرج
التبرج معصية لله ورسولهِ صلى الله عليه وسلم، ومن يعص الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يَضُرُّ إلا نفسه، ولن يَضُرَّ الله شيئًا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى)، فقالوا: يا رسول الله من يأبى؟ قال: (من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى). (البخاري).
التبرج كبيرةٌ مُهْلِكة
جائت أميمة بنت رقيقة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تباعيه عللى الإسلام، فقال: (أُبايعك على أن لا تُشركي بالله، ولا تسرقي، ولا تزني، ولا تقتلي وَلَدَكِ، ولا تأتي ببهتان تفترينه بين يديك ورجليك، ولا تَنُوحي ولا تتبرجي تبرج الجاهلية الأولى).. [صحيح]، فقرن التبرج بأكبر الكبائر المهلكة.
التبرج يجلب اللعن والطرد من رحمة الله
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سيكون في آخر أمتي نساءٌ كاسيات عاريات، على رؤوسهن كأسْنِمَةِ البُخْت، العنوهن، فإنهن ملعونات).. [صحيح]، والبُخْتُ: نوع من الإبل.
التبرج من صفات أهل النار التالى >>>